اللعنة
في ذلك الوقت كنت فقط أركض.. لم أكن أفكر في شيء غير الهرب.. لم أكن حتى أعلم أين أركض.. اصطدم بالأشياء بإستمرار.. كنت كالسكير لا أبصر اين تطأ قدماي.. ولا اين تاخذني.. ولم اكن اود ان اعرف.. كل تفكيري محصورفي الركض.. في الهرب.. في النجاة..مما بالضبط؟ لا أدري.. بل لم أعد أدري.. ولا أظنني أستطيع..
أواصل الركض في أروقة المدرسة المظلمة.. لا أكاد ارى غير الظلام.. فقط انوار الشارع تمدني ببصيص ضوء يذهب ويجيء.. وكذلك الدموع في كيني التي كانت تنهمر كشلال او حنفية.. كانت عاملا آخر في جعل بصري شبه منعدم.. لكن لاباس.. فانا لم اكن اريد ان انظر.. كل ما اردته هو ان اواصل دفع جسدي خارج هذا المكان المثقل المريع.. اطرد نفسي خارج هذه الدوامة الفضيعة.. التي لا ادري كيف تورطت فيها.. فقط اركض.. واركض.. وأركض.. أركض عبر تلك الجدران المهشمة.. التي ذهب طلائها مع تلك الخربشات الكئيبة كانني في مصحة او شيء من هذا القبيل.. اركض وانا اتجاوز ابواب الفصول المحطمة بفاس ما.. اركض متجاوزة اياها وكل تلك الطاولات المتناثرة.. المحطمة بعضها.. والمقلوبة بعضها.. ترى بها خربشات تنديد واستبداد ورفض تارة.. وتارة ترى صرخات صامتة مستغيثة.. لم تعد هذه مدرسة حكومية تبني النشء حسن بناء.. بل اصبحت مصحة تحوي على سفاح يجوب هذه الطوابق بحثا عن اشخاص ابرياء ليفرغ فيه نزواته المريضة..وها انا اركض بكل قوتي.. رغم كل ضعفي وهواني.. اركض وانا ادعو بشكل مستميت.. الا اكون منهم.. اركض.. اركض وحسب.. اركض وبذلك تاركة خلفي في خطواتي اي تفكير بسيط.. بل شبح تفكير.. لانه ليس لدي الوقت لهذا.. ولكنه مؤلم.. حقا مؤلم.. ظننت انني عرفت كل شيء.. وفجاة, كيف حدث هذا؟ لم اعد ادري..
في وسط كفاحي دموعي وعرقي ومحاولاتي المستميتة في دفع جسدي المثقل خارج اسوار هذا المكان.. هذا المكان الذي كان يوما ما اغلى ما لدي.. الاجمل على الاطلاق.. والان اصبح لا يطاق.. اصبحت اتمنى لو ان قدمي لم تطا هذا المكان اصلا.. ما هذه اللعنة التي حلت علينا.. مهذا السخط.. كيف تحول هذا المكان اللطيف المليء بالحياء الطاهرة البريئة مبقعا بالوحل.. غارقا في الدماء.. منقوشا بخربشات مرضى نفسانيين.. مهجورا من البشر معمرا بالاشباح.. آه متى آلت الامور لهكذا احوال.. اشتاق لامي.. اشتاق لابي.. والى اخي.. اشتاق لصديقاتي.. ولمدرسينا.. وللمدير.. ولمجلس الطلبة.. اشتاق لهم جميعا.. الجميع.. اين انتم.. هل انتم بخير.. هل انتم احياء؟ انا لست بخير.. ارجوكم.. ساعدوني.. لا تتركوني وحدي.. ارجو_......
وفجاة احسست بالارض تهرب من قدمي.. واحسست بالهواء يدور حولي.. رايت الدنيا تلتف لغير ذي مكان.. ازداد نبض قلبي بشكل رهيب كاد ان يتوقف.. وقد شهقت شهقة كادت ان تاخذ طاقتي الحياتية بالكامل.. واصابني ذعر عظيم فقدت من خلاله كل قدرة على الكلام.. وبعدها احسست بظغط متبوع بالم رهيب.. لقد وقعت على الدرج.. واصلت السقوط للاسفل وواصل ظهري التهشم والارتطام لدرجة انني ظننت انها النهاية بسبب هذه الخبطات.. ولكن اكثر ما شغل بالي اكثر هو ان ارفع راسي.. ارفعه للاعلى وارى امامي.. وبامل يائس مستميت كنت ادعو بكل عناد واستماتة.. كاخر شيء في الدنيا.. ان اكون وحدي.. فقط ان لا يكون هناك اي كائن كان معي.. وان كان فبكل جهدي كنت ادعو.. ان يكون حشرة او فأرا.. او ابي.. كانت رغبتي الوحيدة والاوحد هي ان اكون وحدي.. بعد ان كنت اتمنى بكل يأس ان لا أكون كذلك.. يبدو انه استجيب لدعائي.. كانت فرحتي غامرة للغاية حينما لم اجد شيءا.. لا خلفي ولا امامي..
حملت نفسي رغم كل ذلك الالم الرهيب وواصلت النزول عبر ذلك الدرج اللعين.. انفاسي تتقطع من حين لاخر.. لقد تضرر ظهري.. انزلقت قدمي مرة اخرى ووقعت.. لكن كانت اخر درجة.. خانتني قدماي وعجزتا عن الوقوف.. انا لا الومهما على اية حال.. بدات ازحف والعن هذا المختل اللعين الذي جعل المدرسة هكذا.. ولكن.. بدات اسمع اصوات صراخ مستميت يرجو ان لا يفعل.. ان يفعل ماذا؟ ان لا يقتل.. وبعده صراخ مفزع طويل يزداد علوه الى ان توقف بالكامل.. اتى من الطابق الذي فوقي.. فوقي تماما.. والدرج يقربني.. بدات الدموع تنهمر وانا العن هذا اليوم وهذه السنة وهذه الحياة.. اواصل بجهد اذهلني تارة واحبطني تارة.. اواصل الزحف ناحية الخلاص.. ناحية البوابة الزجاجية الضبابية بسبب الدموع.. كان ذلك الضوء صاطعا للغاية.. انه ضوء الخلاص.. انا ارنو منه ببطئ ولكن على الاقل انا اقترب.. خطوة خطوة.. دفعة دفعة.. ساصل.. ساصل.. سانجو.. مددت يدي ناحية ذلك الضوء الصاطع وازدادت دموعي بشكل رهيب.. بدا ذلك الخوف ينكمش وتوسع الامل والفرح.. الا ان.. صوت.. خطوات.. ركض.. يقترب.. تبدد كل ذلك الامل وضرب كياني بجدار من نار ورشق بالياس.. اختفت كامل احلامي وتخليت تماما عن اي فرصة في الحياة.. ولكن.. ما اكثرها ولكن في يومي هذا! ولكن سرعان ما عادت كل تلك المشاعر لمكانها حينما رفعت راسي لاجد الذي جاء كان العدم.. ويالفرحتي ذاك الحين حين سمعتها تنادي باسمي.. لم استطع ان اراها بسبب الدموع لكن صوتها مميز للغاية.. وحين نظرت خلفي.. كانت سعادتي اغمر حين لم اجد احدا.. تسالني كيف يمكن ان اصيب وانا بهذه الحال؟ حسنا, لا يوجد خيال له.. صحيح لا ارى الملامح لكن الهيئة واضحة.. لقد نجوت.. لقد انقذت..
لكن مهلا لحظة.. العدم؟ تجمدت الدماء في عروقي.. وتصلب الكلام في حنجرتي.. وتوسعت عيناي اتساعا لم تتسع مثله من قبل.. خرجت انفاسي المثقلة الساخنة بصعوبة.. وتصبب جبيني عرقا واضحا.. العدم؟ مالذي تفعله هنا؟ كنت ادير رقبتي نحوها ببطئ كاني الة من نوع ما.. لم استطع ان اتبين حالها بسبب الدموع والظلام.. تسمرت رقبتي تقابلها وكنت احاول بياس ان اراها.. كانت عيناي متوسعتان اتساعا عظيما كذلك فمي.. تملكني الخوف والياس تماما.. فقدت كل امل بالخروج.. كل امل بالحياة.. فهذه العدم.. تلك الفتاة التي لطالما كانت وحيدة وسط الجميع.. تعرف الجميع من الداخل والخارج.. في حين لا احد يعرفها.. تواسي الجميع في حين لا احد يفكر في انها يمكن ان تحزن حتى.. تنصت للجميع باهتمام وتحل مشاكلهم في حين لا يسمع صوتها حين تتكلم.. مثالية لدرجة مخيفة.. الاذكى رياضيا والابلغ لغويا.. تعزف الكمان بالحان تخطف الارواح.. لم يرها احد تخطئ قط من قبل.. كانها ملاك.. وكانت ترى الجميع في حين انها تمر بينهم دون ان يدركو كيف وصلت.. تتطلب ملاحظتها تركيزا بسيطا.. ولكنه يغيب في كثير من الحالات.. لهذا اسميها العدم.. لكن قد عرفت ان كتلة المثالية ذات عينين عميقتين كالمحيط.. وشعر ابيض كنور القمر.. من كان ليعلم.. ان بداخلها يختبئ وحش.. بل شيطان.. شيطان من نوع احترافي.. معقد بشكل واضح.. وحيد بشكل اجتماعي.. شيطان بشري.. لقد كنت اعرف.. لقد كنت اومن.. انه لا يوجد شخص مثالي.. البشر والمثالية امر بعيد المنال.. لكل منا جانب يخفيه عن الاخرين.. بل يخفي جزءا منه.. ولكن هي نجحت بشكل مدهش في اخفاء كل عيوبها.. كل شرها.. كل حقيقتها.. منافقة لعينة..
واضح جدا انها تبحث عن الانتقام.. تنتقم منا لاننا لم نرها.. لاننا لم نحس بها.. لاننا لم نسمعها.. ليس ذنبنا انها عدمية.. كان عليها بذل قليل من الجهد.. تلك الساقطة.. تلك اللعينة.. والان يقف امامي شيطان سفاح يتعطش لدمائي للانتقام.. بينما كنت العنها في داخلي تحولت ملامحي من الذعر الى كراهية متقدة.. كنت اتمنى لو ان في يد سكين او مسدسا انهي به حياتها المزيفة.. لكن قطع تمنياتي ولعناتي صوتها تنادي علي.. "-كايا!كايا! اجيبي كايا.. ظهرك متظرر للغاية.." بفضل من هو كذلك ايتها القاتلة المختلة؟
-الشرطة في الطريق.. تحملي قليلا.. كانني اصدقك
- واصلي السعي للباب وانا ساذهب لارى هل هناك ناجون.. و كانني ساصدق كذبة كهذه.. ماذا تريدين؟ طعني من ظهري بينما ازحف للخلاص باستماتة؟ هل هذا يرضيكي..
-ساحاول تعطيل القاتل عنك.. توقفي لا تلمسيني ايتها اللعينة.. تعطلين نفسك؟ يا لها من نكتة..
-اهربي انجي بحياتك.. ماذا؟ ماتزال تمثل.. سدل الستار على مسرحيتكِ ايتها الساقطة.. لا داعي للتمثيل..
-كايا.. كايا.. اجيبيني.. هل تسمعينني؟ كم اصبعا هنا؟ كايااا... انت منافقة اكرهك.. اكرهك.. اكرهك..
-كاااياااا.. وهنا.. استيقضت من حديثي وانتبهت لان دموعي ماتزال تنهمر واني ما ازال اشهق.. كانت تربت على ظهري لتخفف الالم او لا ادري لما.. لكن ساعترف.. انه فعال.. جمعت بعضا من قوتي المتناثرة لاقول لها بضع كلمات لا اذكرها.. اعادت كلامها وصعدت الدرج مرت قربي كالشبح.. لم استطع قط تحسسها.. وانا قد تشجعت واكملت زحفي.. على الاقل ساموت مناضلة.. كانت تنتظر ان اذهب ان اصل الى ذلك المكان الذي يصل فيه املي لذروته لتقتله.. هل لديها سدس؟ هذا واضح.. ايتها اللعينة اليك ما تريدين.. ولكنك لن تنفذي من العدالة ايتها اللعينة.. توجد اجهزة قضائية في هذا البلد.. لن تنفذي بفعلتك قط ايتها السافلة.. تستحقين الموت اكثر من اي شيء آخر.. بينما كنت العن والعن واتقدم.. وصلت للباب.. فرحت للغاية.. لكن ليس لاجل الوصول للخلاص.. بل لانني ساموت بطلة.. كافحت حتى الرمق الاخير.. وهي مجرمة مريضة تسعى لاسكات عطشها النهم للقتل والتعذيب.. هيا.. هيا.. انا انتظر.. لا تخيبي املي ايتها القاتلة.. ها انا امد.. ها انا اصل.. لقد وصلت.. هاهنا..
قبل عامين: 13/01/2018 * 02:23
يتبع..
سلام قايز جاتني فكرة لرواية جديدة اتمنى تعجبعكم.. قبل ما انشرها في الواتباد اود مشاركتها معكم.. لذا ارجو منكم ان تخبروني بارائكم الصريحة.. ارحب بالانتقاد البناء.. اذا اردتم تغيير فكرة ما او نقدها فمرحبا.. اعطوني ارائكم.. اذا رايتم عيبا او خطا املائي او لغوي او صرفي فارحب بشدة.. بما انكم عائلتي اود مشاركتكم اياها قبل عرضها في الواتباد.. غدا ساضع لكم صورة الغلاف والوصف.. استمتعو.. لا تخذلوني, عائلتي الثانية ❤.. انا في هاد النسخة راجعت وش كتبت.. وصححت الاخطاء.. لذا اذا وجدتم خطا من فضلكم اخوتي ابلغوني به.. سواءا املائيا او لغويا او منطقيا..
مازال نصف اخر للبارت الاول"اللعنة" رح انشرو غدا باذن الله هنا.. وعندما انهي من مراجعة الاخطاء سانشره في الواتباد.. ساحاول فعلها غدا ان شاء الله.. اتمنى ان تدعموني..
دمتم دافئين❤