كنت أعود للبيتِ مخموراً أو هارباً من حانة وبطريقةٍ مدهشة كنتُ أقفزُ للبيتِ أدخلُ غرفَتِي أغّيرُ ملابسي وأتغّطى جيداً ولم أسأل نفسي يوما كيف وصلت لفراشي ،
كنتُ أفتخرُ أمام أقراني أنّ أبي لم يكشفني وأنّ أمي لم تبكي لفعلتي..
بعد سنوات حَكَتْ لي أختي الصغيرة أن أمي كانت تفعلُ كل هذا ،كانت تفتعلُ السعالَ بقوة كي لا يكتشف أبي شيئاً
كانت تغطّي عن شتائمي وغنائي السيء، كانت تمسحُ حقارتي ونذالتي ليلاً .وأكذبُ أمامها صباحاً دون أي خجل ظّناً مني أنني فعلتُ كل ذلك لوحدي،
بعد سنوات طويلة ماتت أمي ليلاً وهي (تسعل) دونَ أن يذهبْ إليها أحد قالوا: هي تفتعلُ هذا لأجل إبنها المدلل. وتهامسوا تحتَ الأغطية لقد عاد السِّكير ..
في جنازتها لم أذرفْ دمعةً واحدةً لأنني كنتُ متأكدا أنها تفتعلُ الموتَ .أمي لم تمتْ فقد كنتُ أراها كل ليلة أمام غرفتي ومن شّدةِ بياضها أهتدي إلى السرير..
اكتشفتُ موتها بعد خمس سنوات حين استيقظتُ صباحاً على عتبةِ البيت والمّارة يشفقون عليَّ ويتهامسون (يا حرام هذا إبن المرحومة سعاد)
حينها فقط صرخت وبكيت.... يا أمي .
الشاعر والكاتب الجزائري : عبد المنعم عامر.
لا ندرك قيمة الأم الا بعد رحيلها.